Connect with us

الأولى

جائزة نوبل في الاقتصاد تُمنح لثلاثة باحثين أمريكيين

نُشرت

on

منحت جائزة نوبل في الاقتصاد لثلاثة باحثين أميركيين هم دارون أسيموغلو وسايمون جونسون وجيمس أ. روبنسون، تقديرًا لأبحاثهم حول أسباب نجاح بعض الدول وفشل أخرى.

وقالت لجنة نوبل عند الإعلان عن الجائزة في ستوكهولم إن الاقتصاديين الثلاثة “أظهروا دور المؤسسات المجتمعية في ازدهار الدول”. وأضافت اللجنة أن جهود الباحثين الحائزين على الجائزة تساعد العالم في فهم الأسباب الجذرية التي تجعل بعض الدول والمؤسسات ضعيفة في سيادتها ونموها.

وأشار رئيس لجنة الجائزة جاكوب سفينسون إلى أن الحد من “الفوارق الشاسعة في الدخل بين البلدات يمثل أحد أكبر تحديات العصر الحديث”، قائلًا إن أبحاث كل من أسيموغلو وجونسون وروبنسون تساهم في تحليل وتفكيك هذه الظاهرة.

يعمل كل من أسيموغلو وجونسون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بينما يجري روبنسون أبحاثه في جامعة شيكاغو.

يُذكر أن جائزة نوبل في الاقتصاد تعرف باسم جائزة بنك السويد في العلوم الاقتصادية. وقد أنشأ البنك المركزي هذه الجائزة في عام 1968 كنصب تذكاري لنوبل.

إعلان
متابعة القراءة
إعلان
انقر للتعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقتصاد ومعيشة

الغلاء في الجزائر: أسباب اقتصادية أم سوء تسيير؟

نُشرت

on

بواسطة

الجزائر عرفت موجات غلاء غير مسبوفة

تشهد الجزائر منذ سنوات موجات متكررة من ارتفاع الأسعار طالت معظم السلع والخدمات الأساسية، من الغذاء إلى النقل، ومن الإيجار إلى المواد المدرسية، وحتى الأدوية. ومع كل موجة غلاء، تتصاعد شكاوى المواطنين الذين باتوا يشعرون بثقل معيشي متزايد، وبتراجع قدرتهم الشرائية بشكل يهدد توازنهم الاجتماعي والاقتصادي. لكن السؤال الجوهري الذي يتكرر دائمًا هو: هل هذا الغلاء ناتج بالأساس عن عوامل اقتصادية عالمية، أم عن سوء تسيير محلي؟ أم عن مزيج من الاثنين؟

خلفية اقتصادية معقدة

من الضروري أن نفهم السياق الاقتصادي الذي تعيشه الجزائر. فهي دولة تعتمد بدرجة كبيرة على صادرات المحروقات، وتشكل العائدات النفطية أكثر من 90% من مداخيل العملة الصعبة. لذلك، فإن أي انخفاض في أسعار النفط أو الغاز عالميًا ينعكس مباشرة على قدرة الدولة على الاستيراد، وعلى تمويل الدعم والخدمات العمومية، ما يؤدي في النهاية إلى التضخم.

إضافة إلى ذلك، فإن الجزائر ليست بمعزل عن التقلبات الاقتصادية الدولية، مثل ارتفاع أسعار الشحن، أو نقص بعض المواد عالميًا مثل الحبوب والزيوت نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية. هذه العوامل مجتمعة تؤثر على السوق المحلية وتدفع الأسعار نحو الأعلى.

اختلالات هيكلية في الإنتاج الوطني

رغم امتلاك الجزائر لإمكانات فلاحية وصناعية معتبرة، فإن الإنتاج المحلي لا يغطي حاجات السوق، بل تبقى البلاد تعتمد بدرجة كبيرة على الاستيراد، خصوصًا في ما يخص المواد الغذائية الأساسية. ضعف الإنتاج الوطني يعني أن الطلب دائمًا يفوق العرض، ما يجعل الأسعار مرتفعة بطبيعتها، ويزيد من هشاشة السوق أمام أي اضطراب خارجي.

كما أن غياب استراتيجية واضحة لإحلال الواردات بالإنتاج المحلي، ووجود عقبات بيروقراطية أمام المستثمرين، أدى إلى تباطؤ خلق القيمة المضافة داخليًا، ما ساهم في تعميق الفجوة بين حاجيات المواطن وقدرات السوق المحلية.

إعلان

دور المضاربة والاحتكار

لا يمكن الحديث عن غلاء الأسعار في الجزائر دون التطرق إلى مسألة المضاربة والاحتكار، وهي من أبرز مسببات الغلاء، خصوصًا في المواد الغذائية. في غياب رقابة فعالة ومستمرة، تستغل بعض الشبكات الفوضى التنظيمية، وتقوم بتخزين المواد الأساسية لخلق ندرة مصطنعة، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر.

هذه الظاهرة تتكرر في كل موسم، خصوصًا خلال رمضان والمناسبات، ما يُظهر ضعف آليات الرقابة، وغياب أدوات قانونية رادعة. كما أن البنية التجارية المعتمدة على الوساطة والتوزيع العشوائي بدل سلاسل التوزيع المنظمة، تجعل من السوق عرضة لتقلبات غير منطقية.

ضعف السياسات الحكومية في ضبط السوق

من أبرز العوامل المؤدية إلى استمرار الغلاء هو ضعف فعالية السياسات الاقتصادية في التعامل مع الوضع. رغم إقرار السلطات بوجود مشكلة، إلا أن الإجراءات غالبًا ما تكون متأخرة، ظرفية، أو غير كافية.

فمثلًا، تعاني الجزائر من غياب نظام دعم موجه بدقة للفئات الضعيفة، ما يجعل الدعم العام غير فعال، ويخلق تفاوتًا في الاستفادة منه. كما أن برامج مراقبة الأسواق غالبًا ما تكون موسمية، ولا تبنى على مؤسسات دائمة لضبط الأسعار بشكل مستدام.

إضافة إلى ذلك، فإن الفوضى في نظام الاستيراد، وكثرة التغيرات في القوانين الجمركية، يخلقان مناخًا من التردد لدى المستوردين والتجار، ما ينعكس على استقرار الأسعار.

إعلان

ضعف الشفافية والتواصل مع المواطن

جانب آخر مهم يتعلق بكيفية تواصل الحكومة مع المواطنين حول أسباب الغلاء. في كثير من الأحيان، يجد المواطن نفسه في مواجهة ارتفاع أسعار دون أي تفسير رسمي مقنع أو واضح. غياب الشفافية في تقديم المعطيات الاقتصادية يعزز الشعور بانعدام الثقة، ويُغذي الإشاعات والتأويلات.

الناس يريدون أن يعرفوا: هل هناك فعلاً أزمة في الاستيراد؟ هل الدولة ما تزال قادرة على دعم الأسعار؟ هل هناك خطة واضحة؟ غياب هذه المعلومات يفتح الباب لتأويلات تربط كل غلاء بسوء التسيير أو الفساد، حتى لو كانت بعض أسبابه خارجة عن السيطرة.

القدرة الشرائية في تراجع مستمر

الواقع يؤكد أن القدرة الشرائية للجزائريين في تدهور. الأجور ظلت شبه مجمدة لسنوات، بينما الأسعار في تصاعد دائم. والنتيجة أن شريحة واسعة من الطبقة المتوسطة باتت اليوم تعاني لتوفير أساسيات الحياة، ناهيك عن الطبقات الهشة.

هذا التآكل في القدرة الشرائية لا يُقاس فقط بمؤشرات رسمية، بل يظهر يوميًا في الأسواق، في استهلاك الأسر، وفي لجوء كثير من العائلات إلى الاستدانة أو الاقتصاد المفرط أو حتى الإعانات.

هل من حلول واقعية؟

لتجاوز هذا الوضع، لا يكفي فقط إلقاء اللوم على العوامل الخارجية أو على “اللوبيات”، بل يجب التفكير في حلول جذرية:

إعلان
  1. إصلاح المنظومة الإنتاجية
    دعم الإنتاج الوطني، خصوصًا في الزراعة والصناعات الغذائية، من خلال تشجيع الاستثمار، ورفع العراقيل الإدارية.
  2. رقمنة التوزيع والرقابة
    بناء نظام رقابي رقمي يتابع حركة السلع من المنتج إلى المستهلك، مع تفعيل قوانين صارمة ضد المضاربين.
  3. تحسين الشفافية في السياسة الاقتصادية
    تقديم تقارير دورية تشرح تطورات الأسعار، والأسباب، والحلول المقترحة، لكسب ثقة المواطن.
  4. رفع الأجور أو دعم موجه للفئات المتضررة
    يجب إعادة النظر في سياسة الأجور بما يتناسب مع الواقع المعيشي، أو تطوير دعم ذكي للفئات المتوسطة والهشة.
  5. استقرار في التشريعات الاقتصادية
    تجنب تغيير القوانين الاقتصادية بشكل مفاجئ، مما يعمق الفوضى في السوق.

الغلاء في الجزائر نتيجة مركبة تجمع بين أسباب اقتصادية عالمية، وأخطاء في التسيير المحلي، ونقص في التخطيط الاستراتيجي. وإذا كانت الدولة تتحمل جزءًا من المسؤولية في وضع آليات فعالة لضبط السوق وتحقيق العدالة الاجتماعية، فإن الوقت قد حان لرؤية إصلاحية شاملة تعالج جذور الأزمة لا مظاهرها فقط.

متابعة القراءة

الأولى

التعليم في الجزائر: إصلاح مستمر أم ارتجال دائم؟

نُشرت

on

بواسطة

التعليم في الجزائر: عثرات وعبرات

منذ الاستقلال، ظلّ قطاع التعليم في الجزائر من أهم القطاعات التي استثمرت فيها الدولة، باعتباره حجر الأساس لأي نهضة وطنية. ورغم تعدد الإصلاحات والتعديلات، إلا أن الشكوى من تدهور جودة التعليم وغياب المردودية ما تزال قائمة. وبينما تتحدث الجهات الرسمية عن “إصلاح متواصل”، يتهم الكثير من المراقبين السياسات التعليمية بالارتجال، وغياب الرؤية الاستراتيجية الشاملة.

فهل نعيش فعلًا مسار إصلاح ممنهج للتعليم؟ أم أننا ندور في دوّامة من التجريب العشوائي الذي لا يراعي خصوصيات المجتمع ولا تطلعاته؟

الإرث الاستعماري وتحديات بناء مدرسة وطنية

عند استقلال الجزائر عام 1962، ورثت البلاد نظامًا تعليميًا فرنسيًا موجهًا لأقلية من السكان، كان محوره خدمة المصالح الاستعمارية. لم تتعدَّ نسبة المتمدرسين 15%، وكانت الأمية تفوق 80%. ومنذ ذلك الحين، انطلقت محاولات جزأرة التعليم، وتعريبه، وتوسيعه ليشمل كل فئات الشعب، وهو أمر استوجب موارد هائلة وجهودًا جبارة.

لكن في ظل ضعف الكوادر المحلية، وقلة المناهج الوطنية المتكاملة، أُجبر النظام التعليمي على الاستمرار في الاعتماد على النماذج الأجنبية، ما أفرز خللًا بنيويًا لا يزال مستمرًا إلى اليوم. فالتعليم في الجزائر لم يُبنَ من البداية على مشروع مجتمعي متكامل، بل جاء كردود فعل على أزمات أو ضغوط اجتماعية، وهو ما يفسر تذبذبه المستمر.

إصلاحات بالجملة… دون تقييم حقيقي

مرت المدرسة الجزائرية بعدة “إصلاحات كبرى” نذكر منها:

إعلان
  • إصلاح 1976 الذي رسخ المجانية والإلزامية، وربط التعليم بخيارات الاشتراكية.
  • إصلاحات التسعينيات في ظل الانفتاح الاقتصادي وتوسع التعليم الخاص.
  • إصلاح 2003 بعد تقرير لجنة بن زاغو، والذي اعتُبر الأوسع من حيث التغيير في البرامج، وطريقة التقييم.
  • إصلاحات مستمرة لاحقًا شملت البكالوريا، الطور الابتدائي، التعليم المهني…

ورغم كثرة هذه الخطط، فإنها غالبًا ما كانت تفتقر للتقييم الجاد لنتائجها، ولا تُبنى على دراسات علمية طويلة المدى. بدلًا من التدرج في الإصلاح، كثيرًا ما يتم هدم القديم واستبداله بالجديد فجأة، ما يُربك التلاميذ، والأساتذة، والأولياء.

المحتوى البيداغوجي… ما بين الكمّ والكيف

من أبرز مظاهر الأزمة التعليمية في الجزائر، المحتوى البيداغوجي:

  • مناهج ثقيلة وذات محتوى معرفي مفرط في الحشو.
  • اعتماد مفرط على التلقين بدل التفكير والتحليل.
  • مواد غير مترابطة، وضعف في الدمج بين التخصصات.
  • تركيز على الجانب النظري دون تدريب على المهارات الحياتية.

ورغم محاولات إصلاحية مثل اعتماد المقاربة بالكفاءات، إلا أن التطبيق غالبًا ما كان صوريًا بسبب غياب التأهيل الجيد للمعلمين، وضعف الوسائل البيداغوجية، والتباين بين البيئة التعليمية والمجتمع الخارجي.

البنية التحتية والوسائل… بين الضغط والتقادم

عدد المؤسسات التربوية في الجزائر في تزايد، لكن الطلب عليها أسرع من القدرة على الاستيعاب. فمع ارتفاع عدد السكان، وتوسع التمدرس، نشهد:

  • أقسام مكتظة (أحيانًا تفوق 45 تلميذًا).
  • مدارس تفتقر للتدفئة، والتهوية، والمرافق الصحية.
  • نقص كبير في الوسائل التعليمية العصرية.
  • تباين واضح بين مدارس الحضر والريف، وبين ولايات الشمال والجنوب.

هذا الخلل يجعل من تنفيذ أي إصلاح بيداغوجي مهمة صعبة في ظل بيئة غير مؤهلة.

المعلم الحلقة الأضعف… رغم مركزيته

في كل منظومة تعليمية ناجحة، يُنظر إلى المعلم كمحور أساسي للإصلاح. لكن في الجزائر، يعاني المعلمون من:

  • ضعف التكوين الأكاديمي والتربوي في كثير من الحالات.
  • تهميش في اتخاذ القرار، وغياب التحفيز.
  • ظروف عمل صعبة، وأجور لا تواكب التضخم.
  • احتجاجات متكررة تؤثر على استقرار السنة الدراسية.

كما أن السياسة المتبعة في التوظيف، القائمة أحيانًا على عقود مؤقتة أو مسابقات دون معايير بيداغوجية صارمة، تُضعف من نوعية الكادر التربوي.

التلاميذ في قلب الأزمة

ضغوط البرنامج، وطول اليوم الدراسي، وغياب الأنشطة الترفيهية والثقافية، كلها عوامل تخلق جيلًا من التلاميذ المحبطين أو غير المتحمسين للتعلم. وتزداد المشكلة مع:

  • توسع ظاهرة الدروس الخصوصية، التي تكشف فشل النظام الرسمي.
  • ضعف التوجيه المدرسي والمهني.
  • غياب ثقافة التميز والابتكار داخل المؤسسات.

النتيجة: نسب رسوب مرتفعة، تسرب مدرسي، وتمركز الاهتمام على الشهادات فقط، لا على اكتساب الكفاءات.

الجامعة في مواجهة سوق العمل

رغم تزايد عدد خريجي الجامعات، فإن العلاقة بين التكوين الأكاديمي وسوق العمل ما تزال ضعيفة. الجامعات تُخرج آلاف الطلبة سنويًا في تخصصات لا يحتاجها الاقتصاد، ما يخلق بطالة مقنعة ويغذي الهجرة.

إعلان

من جانب آخر، تبقى الجامعات الجزائرية متأخرة في التصنيفات الدولية، وتواجه تحديات في البحث العلمي، والتمويل، والانفتاح على القطاع الخاص.

التعليم الخاص… واقع غير مُنظم

شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة توسعًا كبيرًا للتعليم الخاص، خصوصًا في المدن الكبرى. ورغم أنه يوفر بديلًا للكثير من الأولياء، إلا أن:

  • هناك غياب لضوابط صارمة لجودة التعليم.
  • تباين كبير في الأسعار والمستوى.
  • تسليع التعليم بدل جعله مشروعًا تنمويًا.

ورغم وعود تنظيم القطاع، إلا أن الإطار القانوني ما يزال هشًا، ما يجعله مجالًا للاستثمار غير المدروس أحيانًا.

أي رؤية للمستقبل؟

لإخراج التعليم من أزمته البنيوية، لا بد من التحول من “إصلاح رد الفعل” إلى “إصلاح استراتيجي”. وذلك يتطلب:

  1. تحديد رؤية واضحة لدور المدرسة في المجتمع، وهل الهدف هو خلق مواطن متعلم أم كفاءة اقتصادية؟
  2. إشراك جميع الفاعلين: المعلمين، النقابات، الأولياء، والخبراء، في بناء المشروع التربوي.
  3. ربط المناهج بسياق المجتمع ومهارات القرن 21.
  4. تحسين التكوين الأولي والمستمر للمعلمين.
  5. تحديث البنية التحتية وتعميم الوسائل الرقمية.
  6. تثمين المهن التربوية والبحث العلمي.

خاتمة: بين الأمل والتخبط

رغم كل العثرات، فإن الجزائريين لا يزالون يرون في التعليم السبيل الأساسي للارتقاء الاجتماعي. لكن دون إرادة سياسية واضحة، وتخطيط عقلاني طويل المدى، وجرأة في الاعتراف بالأخطاء، سيبقى التعليم يدور في دوّامة من الإصلاحات الشكلية، بينما الواقع يتدهور. لقد حان الوقت لتغليب المنطق التربوي على الحسابات السياسية، وبناء مدرسة جزائرية رائدة فعلاً لا قولاً.

متابعة القراءة

قراءات وتحاليل

هل تمتلك الأحزاب السياسية رؤى حقيقية للتغيير في الجزائر؟

نُشرت

on

بواسطة

هل تمتلك الأحزاب السياسية رؤى حقيقية للتغيير في الجزائر؟

تُطرح في الجزائر منذ عقود تساؤلات حادة حول دور الأحزاب السياسية صناعة حياة سياسية والسعي نحو تبوؤ مراكز القيادة والتغيير، أو حتى المشاركة الفعلية فيه. وبينما تتكاثر هذه الكيانات على الورق، يزداد ضعف تأثيرها في الحياة العامة، ويتراجع حضورها في المشهد السياسي والاجتماعي. فهل يعكس هذا الضعف غيابًا فعليًا للرؤى والمشاريع؟ أم أنه نتيجة معوّقات تحول دون تنفيذ تلك الرؤى إن وُجدت؟ الإجابة تقتضي الغوص في أعماق التجربة الحزبية الجزائرية.

الكم دون النوع.. أكثر من 70 حزبًا ولكن!

منذ الانفتاح الديمقراطي في نهاية الثمانينيات، شهدت الجزائر ولادة عشرات الأحزاب، منها الوطني ومنها المحلي، منها ما تأسس بدوافع أيديولوجية ومنها ما جاء كرد فعل. لكن هذا التنوع الكمّي لم يفرز ديناميكية سياسية صحية. بل على العكس، ساهم في تشتيت الوعي السياسي، وانعدام المرجعيات الفكرية الواضحة.

الأحزاب في الغالب إما موسمية تُفعّل في الانتخابات، أو أحزاب مقربة من السلطة تتماهى معها، أو تشكيلات صغيرة غير قادرة على توسيع قاعدتها.  حتى صار المواطن يرى في العمل الحزبي صورة نمطية للمحاباة والانتهازية لا علاقة له بالنضال ولا للرؤية المستقبلية.

غياب البرامج الواقعية والعمق الفكري

إعلان

واحدة من أبرز مظاهر أزمة الرؤية لدى الأحزاب هي السطحية في الطرح. فمعظم التشكيلات السياسية لا تمتلك برامج متكاملة ومُحكمة، بل تكتفي بجمل عامة مثل “تشجيع الاستثمار”، “محاربة الفساد”، “دعم الشباب”، دون تحديد آليات ذلك؟ وبأي وسائل؟ وما هي الأولويات؟

تلك الشعارات تكررت في كل الانتخابات دون أن يتحقق منها شيء. ونتيجة لذلك، لم يعد المواطن يثق في قدرة الأحزاب على إحداث فرق، بل بات يرى فيها مجرد واجهات للتزيين السياسي دون مضمون فعلي.

الأحزاب كأدوات للتموقع لا للتغيير

الكثير من الأحزاب في الجزائر تأسست في الأصل لغرض التموقع السياسي أو التفاوض مع السلطة، وليس لبناء مشروع مجتمعي. وهذا ما يفسر كثرة الانشقاقات والصراعات الداخلية، التي غالبًا ما تكون مرتبطة بالمصالح وليس بالاختلاف الفكري أو البرامجي.

كما أن بعض الأحزاب تلجأ إلى تغييرات خطابية ظرفية، بحسب اتجاه الريح، دون أن تستند إلى قاعدة فكرية ثابتة. وهذا ما يفرغها من أي مصداقية، ويجعلها غير قادرة على بناء الثقة مع الشارع، أو تقديم نفسها كقوة إصلاح حقيقية.

إعلان

الحراك الشعبي كمؤشر حاسم

عندما خرج الجزائريون في 2019 في مسيرات شعبية واسعة، كانت الصدمة الكبرى غياب شبه تام للأحزاب، لا في التنظيم، ولا في التأطير، ولا في تمثيل مطالب الشارع. بل إن كثيرًا من المواطنين هتفوا ضد الطبقة السياسية، مطالبين برحيل الجميع، بما فيهم ممثلو المعارضة.

هذا الغياب لم يكن مجرد صدفة، بل نتيجة تراكم طويل من الانفصال بين المواطن والحزب، وبين الواقع والشعارات. وقد كشف الحراك عن مدى فقدان الأحزاب للبوصلة، وعن الحاجة إلى إعادة بناء الفعل السياسي من جذوره.

ضعف التجديد الداخلي وغياب الكفاءات

الكثير من الأحزاب الجزائرية تعاني من شيخوخة تنظيمية وفكرية. فزعيم الحزب يبقى في منصبه لعقود، دون تداول حقيقي للقيادة. وغالبًا ما يُهمّش الشباب والكفاءات لصالح دوائر الولاء.

إعلان

كما أن الهيكل التنظيمي للحزب لا يتطور، ولا يعتمد آليات التقييم والمتابعة والتخطيط، مما يضعف قدرته على قراءة الواقع المتغير، أو التفاعل مع تطلعات الجيل الجديد، أو حتى تطوير أدواته الرقمية والإعلامية.

ما الذي يجب تغييره داخل الأحزاب؟

إذا أرادت الأحزاب أن تلعب دورًا فاعلًا في التحول الديمقراطي والتنموي، فيجب أن تبدأ أولًا بإصلاح بيتها الداخلي:

  1. هيكلة البرامج:
    صياغة برامج حقيقية مستندة إلى بيانات ميدانية ودراسات واقعية، مع تحديد أولويات حسب كل منطقة وفئة عمرية.
  2. فتح النقاش الداخلي:
    بناء ثقافة حزبية تقوم على الحوار والتقييم الذاتي، وتشجيع النقد الداخلي من أجل التطوير لا الإقصاء.
  3. دمج الشباب والكفاءات:
    تطوير آليات لاستقطاب الجامعيين وأصحاب الخبرات، وإعطائهم مساحة حقيقية للمساهمة، لا أن يُستعملوا فقط في الحملات الانتخابية.
  4. تطوير أدوات التواصل:
    اعتماد الإعلام الرقمي بذكاء، وإنشاء منصات للحوار المستمر مع المواطن، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتقريب الحزب من الشارع.

هل هناك استثناءات؟

رغم كل هذا المشهد الرمادي، توجد بعض النماذج الحزبية أو الشخصيات السياسية التي حاولت تقديم طرح مختلف. لكن إما لم يُمنح لها الحضور الإعلامي، أو واجهت صعوبات داخلية، أو لم تجد دعمًا جماهيريًا كافيًا.

وهذا ما يفرض على أي تجربة جديدة أن تُبنى على أساس الوعي الشعبي، والعمل الميداني، والالتصاق بالقضايا اليومية، لا الاكتفاء بمكاتب مكيفة ونقاشات نُخبوية بعيدة عن الناس.

إعلان

هل المستقبل يحمل أملًا؟

المجتمع الجزائري اليوم أكثر وعيًا، وأكثر تطلعًا للتغيير، لكنه أيضًا أكثر حذرًا. وبالتالي، فإن أي حزب يريد استعادة ثقة الشارع، عليه أن يشتغل بتواضع، وباستمرارية، وبصدق، لا أن ينتظر المواعيد الانتخابية فقط.

المطلوب هو حركة سياسية مجتمعية، تنمو من القاعدة، وتعمل في الأحياء والجامعات والنقابات، وتراكم التأثير، حتى تُحدث الفارق في لحظة التغيير.

إن غياب الرؤية لدى الأحزاب السياسية في الجزائر ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة لمسار طويل من الاختلالات البنيوية والفكرية والتنظيمية. ويمكن الخروج من هذا النفق إذا ما وُجدت إرادة حقيقية لدى بعض الفاعلين لإعادة الاعتبار للفعل الحزبي، ليس كأداة سلطة، بل كوسيلة بناء وتغيير.

إعلان
متابعة القراءة

الأكثر رواجًا